وفاة أهم سياسي ودبلوماسي عرفه القرن العشرين
توفي عملاق الدبلوماسية الأمريكية ووزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، عن عمر يناهز مئة عام الأربعاء الماضي في بيته في ولاية كونتيكت، وذلك بحسب ما أعلنت مؤسسته “كيسنجرأسوشيتس”، وتعتبر وفاته انتهاء لحقبة من السياسات الأمريكية التي غيرت العالم. فمن هو هنري كيسنجر؟ ولماذا يعتبر عراب الدبلوماسية الأمريكية بدون منافس؟
من هو هنري كسينجر؟
في يوم 27 مايو من عام 1923ولد هاينز الفريد كيسنجر، في ولاية بافاريا الألمانية لأبوين يهوديين، وبمجرد بلوغه 15عاماً وتحديداً عام 1938 هربت أسرته بالكامل خوفاً من الممارسات النازية ضد اليهود، واستقرت في الولايات المتحدة الأمريكية حيث انضمت إلى الجالية اليهودية الألمانية في نيويورك.
لم يفقد “هنري” لهجته البافارية الأصلية وحافظ على ولعه بكرة القدم، والتحق بمدرسة ثانوية ليلية بسبب عمله نهاراً في مصنع لأدوات الحلاقة، وكان ينوي دراسة المحاسبة، لكنه جُند في الجيش الأمريكي.
وأصبح مواطناً أمريكياً في عام 1943وذلك بعد تغيير اسمه إلى هنري، واستمر في الخدمة في صفوف الجيش الأمريكي لمدة ثلاث سنوات، وبعد ذلك إلتحق بالإستخبارات الأمريكية.
وكلّف بإدارة فريق لمطاردة ضباط الجستابو السابقين، وهو لم يبلغ ال23 من عمره، ومنح سلطة مطلقة لإعتقال واحتجاز المشتبه بهم.
وبعد عودته إلى الولايات المتحدة بدأ بدراسة العلوم السياسية في جامعة هارفارد نتيجة لمنحة دراسية، وبعد حصوله على درجات البكالوريوس والماجستيرفي عام 1952، والدكتوراه في عام1954، تولذى تدريس العلاقات الدبلوماسية في الجامعة نفسها لمدة 17 عاماً.
كيف بدأت مسيرته الدبلوماسية؟
تولى كيسنجر عام 1955 منصب مستشار بمجلس تنسيق العمليات التابع لمجلس الأمن القومي الأمريكي، وبدأ نجمه في اللمعان.
وفي كانون الثاني / ينايرمن العام 1969، انضم كيسنجر إلى البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون كمستشار للأمن القومي، ومن شدة براعته في السياسة تم تعيينه وزيراً للخارجية في عام 1973، ماجعله يحتفظ بكلا المنصبين .
ونتيجة لشغله منصب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض ووزير الخارجية بنفس الوقت، فقد مارس كيسنجر سيطرة على السياسة الخارجية الأمريكية نادراً ما يعادلها أي شخص لم يكن رئيساً، وفق تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”
وبات كيسنجر أول أمريكي وُلد في خارج الولايات المتحدة الأمريكية يتولى منصب وزير الخارجية .
وواصل استحواذه على حقيبة الخارجية الأمريكية حتى بعد تنحي نيكسون عام 1974، وتولي جيرارد فورد رئاسة الولايات المتحدة.
وحتى بعد مغادرة هنري كيسنجر منصبه عام 1982، ظل هذا السياسي والدبلوماسي العجوز حاضراً على الساحة الدبلوماسية ، حيث كان يقدم استشارات جيوسياسية لعشرات الزعماء والقادة والحكومات في مختلف أنحاء العالم ، وذلك دون الكشف عن أسمائهم، مستغلاً خبرته وحنكته السياسية، عن طريق شركته الإستشارية “كيسنجر أسوشيتس”.
الدبلوماسي الثعلب:
بقدر ما يعتبر لقب الدبلوماسي الثعلب شتيمة من وجهة النظر الأخلاقية لما كان يقوم به على الساحة الدولية الدبلوماسية، إلا أنه من وجهة نظر الدفاع عن المصالح القومية لدولته فإن هذا اللقب مديح وتبجيل له، ونستطيع تقسيم مسيرته الدبلوماسية المميزة التي كانت وراء لقبه هذا إلى ثلاث محطات أساسية وهي:
- التمهيد لإتفاقية كامب ديفيد بين مصر والإحتلال الإسرائيلي: فقد كان وسيطاً بين الطرفين وأوهم كل طرف بأنه أقرب إليه ويفهمه ، ما جعله يخدع السادات بعد نصيحته له بأن من مصلحته إنهاء الحرب ما جعله يوافق على الإتفاقية التي كانت من مصلحة اسرائيل التي استنجدت به لإنقاذها.
- حصوله على جائزة نوبل للسلام عن اسهامه في إنهاء حرب فيتنام: والغريب أنه أنهى الحرب بطريقة لاتخطر ببال أحد، حيث وسع الحرب ما جعله يشعرعدوه بتهديد وجودي فيأتي للمفاوضات.
- أسهم في زيارة الرئيس نيكسون للصين: فعزل بذلك السوفييت عن حليفهم الشيوعي الأكبر، فقد كانت زيارة نيكسون للصين فرصة لإبعاد بكين عن عالسوفييت عبر تقديم ميزات تجارية للصين حتى حولها إلى دولة شيوعية بإقتصاد رأسمالي.
مؤلفاته وكتبه:
ألّف هنري كيسنجر17 كتاباً، وأغلبية موضوعاتها تتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية أبرزها:
_الأسلحة النووية والسياسة الخارجية 1957
_ هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية؟ : نحو دبلوماسية للقرن الحادي والعشرين 2001
_ عن الصين 2011
كما أنّ لديه ثلاث مذكرات:
_ سنوات البيت الأبيض 1979
_ سنوات من الإضطرابات 1982
_ سنوات التجديد 1999
وكان آخر كتاب له هو: “النظام العالمي” الذي أصدره في عام 2014والذي نال إشادة من وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
إلى جانب تأليفه كتب عديدة ظل كيسنجر كاتب مقالات رأي نشيط ومن أبرز الموضوعات التي تحدث عنها في السنوات الأخيرة هي: وباء كورونا والذكاء الإصطناعبي وتأثيراته على العالم.
الجوائز التي حصل عليها هنري كيسنجر:
نال كيسنجر جائزة نوبل للسلام عام 1973 مناصفة مع المفاوض الفيتنامي “لو دوك ثو” الذي رفض الجائزة، وذلك تقديراً لجهوده في وقف إطلاق النار بين بلاده وفيتنام، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الدولية وتسبب بإستقالة اثنين من أعضاء اللجنة التي قررت منحه الجائزة بسبب جرائم الحرب التي ارتكبت في فيتنام على يد الجيش الأمريكي أنذاك وظهور تساؤلات بشأن قصف أمريكي سري لكمبوديا.
أما على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية فقد منحه الرئيس الأمريكي الأسبق جيرالد فورد “وسام الحرية الرئاسي”.
رحيل هنري كيسنجر:
رحل هذا الدبلوماسي البارع والحائز على جائزة نوبل للسلام بالرغم من أنه أكثر شخصية سببت حروب في العالم، عن عمر يتجاوز ال 100 عام ، وقد ترك وراءه جدلاً واسعاً حول كيفية إدارته للسياسة الخارجية الأمريكية بهذه الحنكة والبراعة، التي لم يستطع أن ينافسه عليها أحد، فبالرغم من نجاحاته الدبلوماسية المبهرة في اقامة علاقات دبلوماسية مع دول عظمى مثل: الصين والإتحاد السوفييتي السابق، ودوره في توقيع اتفاقية السلام بين مصر والإحتلال الإسرائيلي، إلا أن ذلك لم يمنع من وجود انتقادات لاذعة بسبب دعمه لأنظمة استبدادية وتورطه في جرائم حرب .
ورغم كبر سنه واصل هذا الدبلوماسي الثعلب نشاطاته الدبلوماسية في أيامه الأخيرة، حيث حضر اجتماعات في البيت الأبيض، وشهد أمام لجنة في مجلس الشيوخ بشأن التهديد النووي الذي تشكله كوريا الشمالية، بالإضافة إلى أنه نشر كتاباً عن أنماط القيادة.
وكان آخر رئيس إلتقاه هو الرئيس الصيني شي جين بينج وذلك أثناء زيارة مفاجئة إلى الصين قام بها في شهر مايو الماضي.
وبالرغم من مسيرته الدبلوماسية المثيرة للجدل والتي كانت ضد البلاد العربية وتسببت بحروب كثيرة، إلا أن هينري كيسنجريعد من أبرز وأهم الشخصيات التي يجب أن نستفيد من رؤيتها وأفكارها الخارقة فيما يخص السياسة الخارجية للدول ، لنستخدمها ونستفيد منها في مصلحة بلداننا والنهوض بها.