أمنا الغولة أسطورة عفا عليها الزمان

أمنا الغولة أسطورة عفا عليها الزمان
تعد أمنا الغولة أسطورة عفا عليها الزمان، إذ لم تعد تستحوذ على اهتمام الجيل الحالي بشكل كبير، بعد أن كانت قديما تبث الرعب في قلوب الصغار وتجعلهم يخلدون إلى النوم،
بمجرد أن تذكر الأم أو الجدة أنها ستأتي إذا لم يذهب الصغار للنوم، وعلى ما يبدو أن أمنا الغولة قد اعتزلت العمل في مجال الرعب،
أولربماغيرت نشاطها واقتصر ظهورها على المجال السينمائي كممثلة ثانوية (كومبارس) في أفلام الرعب،
تعالوا لنتعرف على أمنا الغولة التي ظهرت في الثقافة العربية واحتلت مكانة خاصة، وهل كان التقدم التكنولوجي الهائل هو سبب اختفائها؟
هيا بنا لنقترب من أمنا الغولة و نعرف حكايتها ولما كانت تخيف الصغار قديما ولربما نبحث سويا عن محل إقامتها الحالي وأين انتهى بها المطاف،
من خلال قراءة السطور التالية،
_أمنا الغولة أسطورة عفا عليها وتراثنا العربي،
عرف العرب الغول منذ قديم الأزل واعتقدوا أنه كائن ضخم بشع الصورة يتربص بالمسافرين والمتعمقين في الصحاري أو الأحراش،
فضلا عن كونها تتراءى للمسافر وتقوم بافزاعه وتضله عن الطريق ثم تُهلكه،وقديما قالوا بأن الغول يتشكل و يتمثل بأي صورة يريدها ويقوم بالصفر من أمام المسافر ومن خلفه ثم يأكله،وتنسب الغولة للمردة من الجن والشياطين،
وقد جاء ذكر الغول عند شعراء العرب فهذا الفارس عنترة بن شداد العبسي ينشد في أشعاره:
والغُولُ بينَ يديَّ يخفى تارة**ويعودَ يَظْهَرُ مثْلَ ضَوْءِ المَشْعَلِ
بنواظر زرقٍ ووجهٍ أسودٍ** وأظافر يشبهنَ حدَّ المنجل.
و أنشد جرير:
فَيَوْماً يُوافِيني الهَوى غير حاضر**ويوماً ترى منهنّ تَغَولا
إقرأ أيضا: تعرف على صفات الزوهري المبارك
_أمنا الغولة أسطورة عفا عليها الزمان و التراث المصري،

حظت أسطورة أمنا الغولة بِمكانة كبيرة في التراث المصري، ويعود ظهورها في التراث المصري لمعبد الكرنك بمدينة الأقصر،
والذي شهد ظهور أمنا الغولة وتعددت حوله العديد من القصص التي تتحدث عن ظهورها في أركان المعبد بصفة مستمرة،
لربما يعود ذلك لأن معبد الكرنك يحتوي على عدد هائل من تماثيل الآلهة “سخمت”، المعروفة عند المصريين القدماء بأنها آلهة الحرب والدمار والفزع والمرض،
ويرجع سبب تواجد العديد من تماثيل “سخمت ” لعهد الملك الفرعوني ” أمنحت الثالث”، والذي أمر إبان فترة مرضه بصنع تمثال لها في الصباح وآخر في المساء،
اعتقادا منه أنها ستهبه الشفاء، حتى وصل عدد تماثيلها ل 700 تمثال،يروي باحث الآثار فرنسيس أمين محارب أن أمنا الغولة ظهرت عام 1907،
وذلك أثناء لهو سبعة صغار ليلا بالقرب من معبد الكرنك، فسقط أحد الجدران عليهم مما تسبب في مصرعهم، وفي الصباح وأثناء الحفر ومحاولة إخراج جثث الصغار من موقع التنقيب تم العثور على تماثيل لسيدة بجسد امرأة ووجه لبؤة،
فشاع وقتها أنها أمنا الغولة وهي من تسببت في مصرع الصغار، وانتشرت بعض الروايات عن كونها تتراءى ليلا في معبد الكرنك وتخطف الأطفال وتلتهمهم،
مما أثار الفزع في قلوب الأهالي وكذا عمال الحفر والتنقيب، فامتنعوا عن العمل خوفا من بطش أمنا الغولة أو”سخمت”، وذاع صيتها في بر مصر بأكمله وصارت الأمهات والجدات يستخدمن “سخمت” أو أمنا الغولة لترهيب الصغار،
لكن الباحث الأثري الفرنسي “جورج ليجران” قد احتال ليزيل هذا الإعتقاد من قلوب العمال، فزعم أنه ألقى تعويذة باللغة الهيروغليفية فأبطل بها لعنة سخمت أو أمنا الغولة،
وبالفعل انتشرت القصة وصدقها الأهالي والعُمال الذين عادوا للحفر، ثم تحولت سخمت لصديقة لأهالي المنطقة حيث اعتقدوا بعد إبطال التعويذة أنها تشفي من العقم،
لهذا توافد عليها الراغبين في الإنجاب، إلا أن التحول تجاه أمنا الغولة بقى في الأقصر فقط لكن الأسطورة الأولى المرعبة ظلت متواجدة في مصر بأكملها حتى عهد قريب،
_تابعونا على صفحتنا في فيسبوك من هنا
_أمنا الغولة أسطورة عفا عليها و الدين الإسلامي،

من المعلوم أن الدين الإسلامي جاء ليحرر العقول من جهلها وحث على العلم وكرم العلماء وجعل لهم مكانة خاصة،
وفي الجاهلية بثت قصص الغول الرعب في قلوب المسافرين، وزعموا أنها تتلون وتتشكل و تتراءى للناس في صور شتى وتَغُولهم، ثم جَاء الإسلام فنزع كل تلك الأفكار والمعتقدات من العقول،
لكن الغول كمخلوق من بني الجن لم ينكر وجوده الإسلام، فقد روى القزويني أن عُمر بن الخطاب قبل إسلامه شاهد أثناء سفره لبلاد الشام مخلوقا يشبه الإنسان لكن برجل حمار فضربه بالسيف،
وحديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “لا عَدْوى ولا هامَة ولا صَفَرَ ولا غول”، لم ينفي وجود الغول لكنه نفى ما كانت تزعمه العرب من تشكله وتلونه،
بدليل حديث أبي هريرة المشهور عندما كان رقيبا على بيت مال المسلمين، ثم ظهر له كائن وسرق من التمر عدة مرات، وعندما ضَاق أبو هريرة ذرعامن سوء صنيع الغول أو الجني،
وأراد أن يقيده طلب منه أن يتركه وأخبره أن آية الكرسي كفيلة بصد كل الطوائف المؤذية من بني الجان،
فالغيلان عند جمهور علماء المسلمين كما ذكر النووي هي جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتلون، لكنها لا تتشكل بصورة غير صورتها التي فطرها الله عليها،
وفي مسند الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وإذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان”.
وفي فتح الباري: أخرج ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن الغيلان ذُكروا عند عمر،
فقال: إن أحدا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها، ولكن لهم سحرة كسحرتكم، فإذا رأيتم ذلك فأذنوا.
ومن المعلوم أن آيةالكرسي وذكر الله كاف تماما لرد شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها وشر الطوارق كلها والطرائق جميعها على اختلاف أنواعها،
_ أحدث ظهور أمنا الغولة في الشوارع
أما عن آخر ظهور لأمنا الغولة فكان كما رصدته الكاميرات في مدينة درنة الليبية، عقب العاصفة دانيال، التي تسبب في مقتل الآلاف وتراكم الجثث وهجر المدينة بسبب تفشي الأمراض والأوبئة،
وقتها ظهرت الغيلان بشكل واضح في شوارع مدينة درنة وقام الناس بتصوير مقاطع تَظهر فيها الغيلان،
ومع تكرار ظهورها أصبح الناس يرددون الآذان في الشوارع والطرقات فاختفت مرة ثانية، ولعلها عادت للفلوات والأماكن الخربة حيث تقيم،
_أمنا الغولة والتكنولوجيا
لربما كانت التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي السبب في اختفاء أُسطورة أمنا الغولة، شأنها شأن العديد من الأساطير التي لم يكتف العصر الحديث بِإبطال سطوتها على القلوب والنفوس،
بل جعل منها مادة للسخرية مما أفقدها جَلالها وهيبتها فتَوارت على استحياء واقتصر وجودها على الكتب القديمة،
فما عاد الجيل الجديد يخاف من النداهة أو أمْنا الغولة أو أبُو رجل مسلوخة، لكن لا نستطيع أن ننكر أن أثر هذه الأسُطورة بقى ولكن بطريقة مختلفة،
فهناك ملامح من تلك الحكايات تظهر من وقت لآخر في صيحات الموضة والأزياء، فالعين الزرقاء والكُفوف التي تظهر في تصاميم كبار مصممي الأزياء،
إنما هي مستوحاة من أسطورة أمنا الغولة وكان تستخدم فيما مضى لدفع شرها، أي أن أمنا الغولة لم تغادر بشكل تام، بل عدلت في إطْلالتها لتناسب مقتضيات العصر الحديث.